عن واجب المسلمين نحو المسجد الأقصى خاصة وفلسطين عامة سوف نكتفي بما جاء عن لجنة الفتوى بالأزهر الشريف إجابة على أسئلة وجهت إليها في عام 1956م حيث إنها أسئلة جامعة والإجابة جامعة مانعة، ومثل فيها جميع المذاهب الفقهية المعمول بها عند الأمة الشافعي والمالكي والحنفي والحنبلي، كما أسوق أيضًا ما جاء في توصيات المؤتمر السادس لمجمع البحوث الإسلامية في عام 1971م حيث إنه أيضًا يمثل علماء المسلمين وفقهاءهم في جميع الأقطار الإسلامية ومن ثم يكون لتوصياته خاصية الإجماع من علماء الأمة على ما جاء بها.
أولاً: فتوى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
هذه الأسئلة وجهت إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
س1: ما هو واجب المسلمين أينما كانوا نحو بلاد إسلامية كفلسطين غزاها أعداء المسلمين ونزعوها من يد أهلها وأخرجوهم منها وحلوا فيها محلهم وأقاموا فيها دولة لهم أسموها إسرائيل وأن هذه الدولة بالإضافة إلى ما شرحناه سابقًا في فصل خاص من أعمالها قامت بهدم الكثير من المساجد والمعابد وتحويل كثير منها إلى مصالح خاصة أو عامة أو إلى أماكن لهو تنتهك حرمة الدين والعبادة كما عبثت بالمقابر الإسلامية التاريخية التي تضم رفات كثير من المجاهدين وفيهم الصحابة وكبار التابعين والعلماء والقواد والصالحين وغيرهم ونبشتها وأنشأت في مكانها البنايات وساحات اللعب والنزهات إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور عنها؟
س 2: إذا كان إنقاذ هذه البلاد بحد ذاته هو واجب على المسلمين فكيف بالأمر إذا كان بقاؤها بيد العدو وتمكنه فيها، يعرض البلاد العربية والإسلامية المجاورة لها لأشد الأخطار في أراضيها وممتلكاتها وفي مصالحها وموارد عيشها وفي أنفس أهلها كما جرى لأهل فلسطين؟.
س 3: إذا كان القتال قد أوقف بموجب الهدنة التي ذكرت آنفًا مع بقاء حالة الحرب فهل يجوز إنهاء هذه الحالة بعقد صلح مع اليهود ودولتهم إسرائيل في حين أن هذا الصلح يفضي إلى:
1- الاعتراف بقيام دولة يهودية لها جميع الحقوق الدولية في هذه البلاد العربية والإسلامية.
2- التنازل عن بلاد فلسطين وأراضيها التي اغتصبها اليهود من المسلمين والتخلي لهم عنها والاعتراف بملكية دولتهم لها قانونًا.
3- التعاون مع هذه الدولة ورفع الحظر الاقتصادي العربي عنها وتمكينها من الوسائل التي تزيد في قوتها وتنفيذ خطتها في غزو البلاد العربية الإسلامية؟
4- وبالاختصار هل يجوز الصلح مع إسرائيل مع ما يؤدي إليه من الأخطار التي شرحناها؟.
س 4: ما هو الحكم بالنسبة للدول الأجنبية الاستعمارية التي ساعدت اليهود على اغتصاب بلاد المسلمين وظاهرتهم على إخراج أهلها منها هل يجوز:
(أولاً) التعاون معهم ومودتهم، وموالاتهم وخصوصًا إذا كان ذلك يؤدي إلى الإضرار بمصالح المسلمين.
(ثانيًا) عقد أحلاف عسكرية معهم تفضي إلى وضع قوى المسلمين وجيوشهم وأسلحتهم ومواردهم ومواقع بلادهم تحت تصرف هؤلاء المستعمرين يوجهونها لأغراض استعمارية في نفس البلاد العربية والإسلامية ويمنعون المسلمين من أن يوجهوها للدفاع عن أنفسهم وديارهم؟
س 5: إذا كان في قيام الدولة اليهودية "إسرائيل" ما وصفناه من خطر عظيم، لا على ما بقي من فلسطين فحسب، بل على البلاد العربية والإسلامية المجاورة وغير المجاورة أيضًا، أفلا يجب على العرب والمسلمين وخصوصًا أهل البلاد المستهدفة للخطر، إعداد ما يستطيعون من قوة بدفع هذا الخطر وإزالة مصدره، والله تعالى يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60).
وهل لا يكون من الواجب المحتم أن يحتل هذا الإعداد لدى الدول المعنية المكان الأول بالنسبة لجميع المصالح، وأن لا يضن في سبيله بجهد أو مال مهما بلغا، وخصوصًا توفير السلاح اللازم والحصول عليه من أية جهة ممكنة؟
س 6: هل يجوز تمكين اليهود من استغلال أنهار البلاد العربية ومياهها لتنمية زراعتهم وتقوية صناعاتهم وتمكينهم من حشد ملايين اليهود في منطقة النقب المتاخمة لحدود مصر على نحو ما ذكرنا سابقًا في المشروع المعروض على الدول العربية والمعروف بمشروع "جونستون".
نرجو الإجابة على أسئلتنا هذه ببيان حكم الشرع الإسلامي فيها إجمالاً وتفصيلاً، ولكم من الله الأجر والثواب. وهو تعالى الملهم للصواب.
جواب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375هـ الموافق "أول يناير سنة 1956" برياسة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقًا وعضوية السادة أصحاب الفضيلة الشيخ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كلية الشريعة سابقا (الشافعي المذهب) والشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء (الحنفي المذهب) والشيخ محمد الطنيخي عضو جماعة كبار العلماء ومدير الوعظ والإرشاد (المالكي المذهب) والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو جماعة كبار العلماء ومدير التفتيش بالأزهر (الحنبلي المذهب) وبحضور الشيخ زكريا البري أمين الفتوى.
ونظرت في الاستفتاء الآتي وأصدرت فتواها التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساءً وأطفالاً وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض واستلبت أموالهم واقترفت أفظع الآثام في أماكن العبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة وعن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الأثيم وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامتها دولة يهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام، وعن حكم الأحلاف التي تدعو إليها دول الاستعمار والتي من مراميها تمكين إسرائيل من البقاء في أرض فلسطين لتنفيذ السياسة الاستعمارية وعن واجب المسلمين حيال فلسطين وردها إلى أهلها وحيال المشروعات التي تحاول إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية أن توسع بها رقعتها وتستجلب بها المهاجرين إليها وفي ذلك تركيز لكيانها وتقوية لسلطانها مما يضيق الخناق على جيرانها ويزيد في تهديدها لهم ويهيئ للقضاء عليهم.
وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل- كما يريده الداعون إليه- لا يجوز شرعًا لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه، وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه، ففي الحديث الشريف: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (1)، "ومن قتل دون عرضه فهو شهيد" (2).
وفي حديث آخر: "على اليد ما أخذت حتى ترد" (3).
فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة، بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد الإسلامية من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 60).
ومن قصر في ذلك أو أفرط فيه أو خذل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي الإسلامي فهو- في حكم الإسلام- مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام، كيف لا ويعلم الناس جميعًا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن، وأنهم يعتزمون أن لا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات. وإذا كان المسلمون جميعًا- في الوضع الإسلامي- وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عن بيضة الإسلام فإن الواجب شرعًا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111)، وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76).
وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية وتمدها بالمال والعتاد وتمكن لها من البقاء في هذه الديار فهو غير جائز شرعًا لما فيه من الإعانة لها على البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 9)، وقال الله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22).
وقد جمع الله- سبحانه- في آية واحدة جميع ما تخيله الإنسان من دوافع الحرص على قراباته وصلاته وعلى تجارته التي يخشى كسادها بمقاطعة الأعداء وحذر المؤمنين من التأثر بشيء من ذلك واتخاذه سببًا لموالاتهم فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).
ولا ريب أن مظاهرة الأعداء ومودتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدمهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة- سرًّا وعلانيةً- مباشرة وغير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.
ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف التي تدعو إليها الدول الاستعمارية وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية ابتغاء الفتنة وتفريق الكلمة والتمكين لها في البلاد الإسلامية والمضي في تنفيذ سياستها حيال شعوبها لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها لما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية وبخاصة فلسطين الشهيدة التي سلمتها هذه الدول الاستعمارية إلى الصهيونية الباغية نكاية في الإسلام وأهله وسعيًا لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلامية لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعًا والتي قال الله تعالى فيها: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 51).
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ عن مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التي تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52).
وكذلك يحرم شرعًا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء من تنفيذ تلك المشروعات التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب على المسلمين أن يحولوا بكل قوة دون تنفيذها ويقفوا صفًا واحدًا في الدفاع عن حوزة الإسلام.
في إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها المشروعات الضارة ومن قصر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفًا سلبيًّا منها فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
وعلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتدوا به وهو القدوة الحسنة في موقفه من أهل مكة وطغيانهم بعد أن أخرجوه ومعه أصحابه رضوان الله عليهم من ديارهم وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم ودنسوا البيت الحرام بعبادة الأوثان والأصنام فقد أمره الله تعالى أن يعد العدة لإنقاذ حرمه من أيدي المعتدين وأن يضيق عليهم سبل الحياة التي بها يستظهرون فأخذ عليه الصلاة والسلام يضيق عليهم في اقتصادياتهم التي عليها يعتمدون، حتى نشبت بينه وبينهم الحروب، واستمرت رحى القتال بين جيش الهدى وجيوش الضلال، حتى أتم الله عليه النعمة، وفتح على يده مكة، وقد كانت معقل المشركين فأنقذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، وطهر بيته الحرام من رجس الأوثان، وقلم أظافر الشرك والطغيان.
وما أشبه الاعتداء بالاعتداء، مع فارق لا بد من رعايته وهو أن مكة كان بلدًا مشتركًا بين المؤمنين والمشركين، ووطنًا لهم أجمعين بخلاف أرض فلسطين، فإنها ملك للمسلمين، وليس لليهود فيها حكم ولا دولة، ومع ذلك أبى الله تعالى إلا أن يظهر في مكة الحق ويخذل الباطل ويردها إلى المؤمنين، ويقمع الشرك فيها والمشركين فأمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال المعتدين قال تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 191) والله سبحانه وتعالى نبه المسلمين على رد الاعتداء بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 194).
ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر يضر العباد والبلاد، وإذا كانت إزالته واجبة في كل حال، فهي في حالة هذا العدوان أوجب وألزم، فإن هؤلاء المعتدين لم يقف اعتداؤهم عند إخراج المسلمين من ديارهم وسلب أموالهم وتشريدهم في البلاد بل تجاوز ذلك إلى أمور تقدسها الأديان السماوية كلها وهي احترام المساجد وأماكن العبادة وقد جاء في ذلك قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة: 114).
أما بعد- فهذا هو حكم الإسلام في قضية فلسطين وفي شأن إسرائيل والمناصرين لها من دول الاستعمار وغيرها، وفيما تريده إسرائيل ومناصروها من مشروعات ترفع من شأنها، وفي واجب المسلمين حيال ذلك تبينه لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وتهيب اللجنة بين عامة المسلمين أن يعتصموا بحبل الله المتين، وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين وتدبير الكائدين، وأن يجمعوا أمرهم على القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك، إعزازًا لدينهم القويم. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبهم على الإيمان به وعلى نصرة دينه وعلى العمل بما يرضيه والله أعلم (4).
----------
حواشٍ:
1- فتح الباري، 5/123/2480. المظالم- من قاتل دون ماله. صحيح مسلم بشرح النووي 2/163/141. الإيمان- الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره.
2- أبو داود، سنن أبي داود، مرجع سابق 4/246/4772. السنة- قتال اللصوص.
الترمذي، الجامع الصحيح، مرجع سابق 4/14/1421. الديات- ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد.
3- الترمذي، الجامع الصحيح، مرجع سابق 3/566/1266. البيوع- ما جاء في أن العارية مؤداه.
4- الهيئة العربية العليا لفلسطين، حكم الإسلام في قضية فلسطين ص 15- 27. دار الكتاب العربي- مصر- محمد حلمي المنياوي. سنة 1375 هـ = 1956م.
أولاً: فتوى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
هذه الأسئلة وجهت إلى لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
س1: ما هو واجب المسلمين أينما كانوا نحو بلاد إسلامية كفلسطين غزاها أعداء المسلمين ونزعوها من يد أهلها وأخرجوهم منها وحلوا فيها محلهم وأقاموا فيها دولة لهم أسموها إسرائيل وأن هذه الدولة بالإضافة إلى ما شرحناه سابقًا في فصل خاص من أعمالها قامت بهدم الكثير من المساجد والمعابد وتحويل كثير منها إلى مصالح خاصة أو عامة أو إلى أماكن لهو تنتهك حرمة الدين والعبادة كما عبثت بالمقابر الإسلامية التاريخية التي تضم رفات كثير من المجاهدين وفيهم الصحابة وكبار التابعين والعلماء والقواد والصالحين وغيرهم ونبشتها وأنشأت في مكانها البنايات وساحات اللعب والنزهات إلى غير ذلك مما هو معروف ومشهور عنها؟
س 2: إذا كان إنقاذ هذه البلاد بحد ذاته هو واجب على المسلمين فكيف بالأمر إذا كان بقاؤها بيد العدو وتمكنه فيها، يعرض البلاد العربية والإسلامية المجاورة لها لأشد الأخطار في أراضيها وممتلكاتها وفي مصالحها وموارد عيشها وفي أنفس أهلها كما جرى لأهل فلسطين؟.
س 3: إذا كان القتال قد أوقف بموجب الهدنة التي ذكرت آنفًا مع بقاء حالة الحرب فهل يجوز إنهاء هذه الحالة بعقد صلح مع اليهود ودولتهم إسرائيل في حين أن هذا الصلح يفضي إلى:
1- الاعتراف بقيام دولة يهودية لها جميع الحقوق الدولية في هذه البلاد العربية والإسلامية.
2- التنازل عن بلاد فلسطين وأراضيها التي اغتصبها اليهود من المسلمين والتخلي لهم عنها والاعتراف بملكية دولتهم لها قانونًا.
3- التعاون مع هذه الدولة ورفع الحظر الاقتصادي العربي عنها وتمكينها من الوسائل التي تزيد في قوتها وتنفيذ خطتها في غزو البلاد العربية الإسلامية؟
4- وبالاختصار هل يجوز الصلح مع إسرائيل مع ما يؤدي إليه من الأخطار التي شرحناها؟.
س 4: ما هو الحكم بالنسبة للدول الأجنبية الاستعمارية التي ساعدت اليهود على اغتصاب بلاد المسلمين وظاهرتهم على إخراج أهلها منها هل يجوز:
(أولاً) التعاون معهم ومودتهم، وموالاتهم وخصوصًا إذا كان ذلك يؤدي إلى الإضرار بمصالح المسلمين.
(ثانيًا) عقد أحلاف عسكرية معهم تفضي إلى وضع قوى المسلمين وجيوشهم وأسلحتهم ومواردهم ومواقع بلادهم تحت تصرف هؤلاء المستعمرين يوجهونها لأغراض استعمارية في نفس البلاد العربية والإسلامية ويمنعون المسلمين من أن يوجهوها للدفاع عن أنفسهم وديارهم؟
س 5: إذا كان في قيام الدولة اليهودية "إسرائيل" ما وصفناه من خطر عظيم، لا على ما بقي من فلسطين فحسب، بل على البلاد العربية والإسلامية المجاورة وغير المجاورة أيضًا، أفلا يجب على العرب والمسلمين وخصوصًا أهل البلاد المستهدفة للخطر، إعداد ما يستطيعون من قوة بدفع هذا الخطر وإزالة مصدره، والله تعالى يقول: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ﴾ (الأنفال: من الآية 60).
وهل لا يكون من الواجب المحتم أن يحتل هذا الإعداد لدى الدول المعنية المكان الأول بالنسبة لجميع المصالح، وأن لا يضن في سبيله بجهد أو مال مهما بلغا، وخصوصًا توفير السلاح اللازم والحصول عليه من أية جهة ممكنة؟
س 6: هل يجوز تمكين اليهود من استغلال أنهار البلاد العربية ومياهها لتنمية زراعتهم وتقوية صناعاتهم وتمكينهم من حشد ملايين اليهود في منطقة النقب المتاخمة لحدود مصر على نحو ما ذكرنا سابقًا في المشروع المعروض على الدول العربية والمعروف بمشروع "جونستون".
نرجو الإجابة على أسئلتنا هذه ببيان حكم الشرع الإسلامي فيها إجمالاً وتفصيلاً، ولكم من الله الأجر والثواب. وهو تعالى الملهم للصواب.
جواب لجنة الفتوى بالأزهر الشريف:
اجتمعت لجنة الفتوى بالجامع الأزهر في يوم الأحد 18 جمادى الأولى سنة 1375هـ الموافق "أول يناير سنة 1956" برياسة صاحب الفضيلة الأستاذ الشيخ حسنين محمد مخلوف عضو جماعة كبار العلماء ومفتي الديار المصرية سابقًا وعضوية السادة أصحاب الفضيلة الشيخ عيسى منون عضو جماعة كبار العلماء وشيخ كلية الشريعة سابقا (الشافعي المذهب) والشيخ محمود شلتوت عضو جماعة كبار العلماء (الحنفي المذهب) والشيخ محمد الطنيخي عضو جماعة كبار العلماء ومدير الوعظ والإرشاد (المالكي المذهب) والشيخ محمد عبد اللطيف السبكي عضو جماعة كبار العلماء ومدير التفتيش بالأزهر (الحنبلي المذهب) وبحضور الشيخ زكريا البري أمين الفتوى.
ونظرت في الاستفتاء الآتي وأصدرت فتواها التالية:
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد، فقد اطلعت لجنة الفتوى بالأزهر الشريف على الاستفتاء المقدم إليها عن حكم الشريعة الإسلامية في إبرام الصلح مع إسرائيل التي اغتصبت فلسطين من أهلها وأخرجتهم من ديارهم وشردتهم نساءً وأطفالاً وشيبًا وشبانًا في آفاق الأرض واستلبت أموالهم واقترفت أفظع الآثام في أماكن العبادة والآثار والمشاهد الإسلامية المقدسة وعن حكم التواد والتعاون مع دول الاستعمار التي ناصرتها وتناصرها في هذا العدوان الأثيم وأمدتها بالعون السياسي والمادي لإقامتها دولة يهودية في هذا القطر الإسلامي بين دول الإسلام، وعن حكم الأحلاف التي تدعو إليها دول الاستعمار والتي من مراميها تمكين إسرائيل من البقاء في أرض فلسطين لتنفيذ السياسة الاستعمارية وعن واجب المسلمين حيال فلسطين وردها إلى أهلها وحيال المشروعات التي تحاول إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية أن توسع بها رقعتها وتستجلب بها المهاجرين إليها وفي ذلك تركيز لكيانها وتقوية لسلطانها مما يضيق الخناق على جيرانها ويزيد في تهديدها لهم ويهيئ للقضاء عليهم.
وتفيد اللجنة أن الصلح مع إسرائيل- كما يريده الداعون إليه- لا يجوز شرعًا لما فيه من إقرار الغاصب على الاستمرار في غصبه، والاعتراف بأحقية يده على ما اغتصبه، وتمكين المعتدي من البقاء على عدوانه، وقد أجمعت الشرائع السماوية والوضعية على حرمة الغصب ووجوب رد المغصوب إلى أهله وحثت صاحب الحق على الدفاع والمطالبة بحقه، ففي الحديث الشريف: "من قتل دون ماله فهو شهيد" (1)، "ومن قتل دون عرضه فهو شهيد" (2).
وفي حديث آخر: "على اليد ما أخذت حتى ترد" (3).
فلا يجوز للمسلمين أن يصالحوا هؤلاء اليهود الذين اغتصبوا أرض فلسطين واعتدوا فيها على أهلها وعلى أموالهم على أي وجه يمكن اليهود من البقاء كدولة في أرض هذه البلاد الإسلامية المقدسة، بل يجب عليهم أن يتعاونوا جميعًا على اختلاف ألسنتهم وألوانهم وأجناسهم لرد هذه البلاد إلى أهلها، وصيانة المسجد الأقصى مهبط الوحي ومصلى الأنبياء الذي بارك الله حوله، وصيانة الآثار والمشاهد الإسلامية من أيدي هؤلاء الغاصبين وأن يعينوا المجاهدين بالسلاح وسائر القوى على الجهاد في هذا السبيل وأن يبذلوا فيه كل ما يستطيعون حتى تطهر البلاد الإسلامية من آثار هؤلاء الطغاة المعتدين قال الله تعالى: ﴿وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمْ اللهُ يَعْلَمُهُمْ﴾ (الأنفال: من الآية 60).
ومن قصر في ذلك أو أفرط فيه أو خذل المسلمين عنه أو دعا إلى ما من شأنه تفريق الكلمة وتشتيت الشمل والتمكين لدول الاستعمار والصهيونية من تنفيذ خططهم ضد العرب والإسلام وضد هذا القطر العربي الإسلامي فهو- في حكم الإسلام- مفارق جماعة المسلمين ومقترف أعظم الآثام، كيف لا ويعلم الناس جميعًا أن اليهود يكيدون للإسلام وأهله ودياره أشد الكيد منذ عهد الرسالة إلى الآن، وأنهم يعتزمون أن لا يقفوا عند حد الاعتداء على فلسطين والمسجد الأقصى، وإنما تمتد خططهم المدبرة إلى امتلاك البلاد الإسلامية الواقعة بين نهري النيل والفرات. وإذا كان المسلمون جميعًا- في الوضع الإسلامي- وحدة لا تتجزأ بالنسبة إلى الدفاع عن بيضة الإسلام فإن الواجب شرعًا أن تجتمع كلمتهم لدرء هذا الخطر والدفاع عن البلاد واستنقاذها من أيدي الغاصبين قال الله تعالى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلا تَفَرَّقُوا﴾ (آل عمران: 103).
وقال الله تعالى: ﴿إِنَّ اللهَ اشْتَرَى مِنْ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمْ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمْ الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾ (التوبة: 111)، وقال الله تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطَّاغُوتِ فَقَاتِلُوا أَوْلِيَاءَ الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا﴾ (النساء: 76).
وأما التعاون مع الدول التي تشد أزر هذه الفئة الباغية وتمدها بالمال والعتاد وتمكن لها من البقاء في هذه الديار فهو غير جائز شرعًا لما فيه من الإعانة لها على البغي والمناصرة لها في موقفها العدائي ضد الإسلام ودياره قال الله تعالى: ﴿إِنَّمَا يَنْهَاكُمْ اللهُ عَنْ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الظَّالِمُونَ﴾ (الممتحنة: 9)، وقال الله تعالى: ﴿لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُوْلَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمْ الإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللهِ هُمْ الْمُفْلِحُونَ﴾ (المجادلة: 22).
وقد جمع الله- سبحانه- في آية واحدة جميع ما تخيله الإنسان من دوافع الحرص على قراباته وصلاته وعلى تجارته التي يخشى كسادها بمقاطعة الأعداء وحذر المؤمنين من التأثر بشيء من ذلك واتخاذه سببًا لموالاتهم فقال تعالى: ﴿قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرْضَوْنَهَا أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنْ اللهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بِأَمْرِهِ وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾ (التوبة: 24).
ولا ريب أن مظاهرة الأعداء ومودتهم يستوي فيها إمدادهم بما يقوي جانبهم ويثبت أقدمهم بالرأي والفكرة وبالسلاح والقوة- سرًّا وعلانيةً- مباشرة وغير مباشرة. وكل ذلك مما يحرم على المسلم مهما تخيل من أعذار ومبررات.
ومن ذلك يعلم أن هذه الأحلاف التي تدعو إليها الدول الاستعمارية وتعمل جاهدة لعقدها بين الدول الإسلامية ابتغاء الفتنة وتفريق الكلمة والتمكين لها في البلاد الإسلامية والمضي في تنفيذ سياستها حيال شعوبها لا يجوز لأي دولة إسلامية أن تستجيب لها وتشترك فيها لما في ذلك من الخطر العظيم على البلاد الإسلامية وبخاصة فلسطين الشهيدة التي سلمتها هذه الدول الاستعمارية إلى الصهيونية الباغية نكاية في الإسلام وأهله وسعيًا لإيجاد دولة لها وسط البلاد الإسلامية لتكون تكأة لها في تنفيذ مآربها الاستعمارية الضارة بالمسلمين في أنفسهم وأموالهم وديارهم وهي في الوقت نفسه من أقوى مظاهر الموالاة المنهي عنها شرعًا والتي قال الله تعالى فيها: ﴿وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ﴾ (المائدة: من الآية 51).
وقد أشار القرآن الكريم إلى أن موالاة الأعداء إنما تنشأ عن مرض في القلوب يدفع أصحابها إلى هذه الذلة التي تظهر بموالاة الأعداء فقال تعالى: ﴿فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسَارِعُونَ فِيهِم يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ فَعَسَى اللهُ أَنْ يَأْتِيَ بِالْفَتْحِ أَوْ أَمْرٍ مِنْ عِنْدِهِ فَيُصْبِحُوا عَلَى مَا أَسَرُّوا فِي أَنفُسِهِمْ نَادِمِينَ﴾ (المائدة: 52).
وكذلك يحرم شرعًا على المسلمين أن يمكنوا إسرائيل ومن ورائها الدول الاستعمارية التي كفلت لها الحماية والبقاء من تنفيذ تلك المشروعات التي لا يراد بها إلا ازدهار دولة اليهود وبقاؤها في رغد من العيش وخصوبة في الأرض، حتى تعيش كدولة تناوئ العرب والإسلام في أعز دياره، وتفسد في البلاد أشد الفساد، وتكيد للمسلمين في أقطارهم، ويجب على المسلمين أن يحولوا بكل قوة دون تنفيذها ويقفوا صفًا واحدًا في الدفاع عن حوزة الإسلام.
في إحباط هذه المؤامرات الخبيثة التي من أولها المشروعات الضارة ومن قصر في ذلك أو ساعد على تنفيذها أو وقف موقفًا سلبيًّا منها فقد ارتكب إثمًا عظيمًا.
وعلى المسلمين أن ينهجوا نهج الرسول صلى الله عليه وسلم ويقتدوا به وهو القدوة الحسنة في موقفه من أهل مكة وطغيانهم بعد أن أخرجوه ومعه أصحابه رضوان الله عليهم من ديارهم وحالوا بينهم وبين أموالهم وإقامة شعائرهم ودنسوا البيت الحرام بعبادة الأوثان والأصنام فقد أمره الله تعالى أن يعد العدة لإنقاذ حرمه من أيدي المعتدين وأن يضيق عليهم سبل الحياة التي بها يستظهرون فأخذ عليه الصلاة والسلام يضيق عليهم في اقتصادياتهم التي عليها يعتمدون، حتى نشبت بينه وبينهم الحروب، واستمرت رحى القتال بين جيش الهدى وجيوش الضلال، حتى أتم الله عليه النعمة، وفتح على يده مكة، وقد كانت معقل المشركين فأنقذ المستضعفين من الرجال والنساء والولدان، وطهر بيته الحرام من رجس الأوثان، وقلم أظافر الشرك والطغيان.
وما أشبه الاعتداء بالاعتداء، مع فارق لا بد من رعايته وهو أن مكة كان بلدًا مشتركًا بين المؤمنين والمشركين، ووطنًا لهم أجمعين بخلاف أرض فلسطين، فإنها ملك للمسلمين، وليس لليهود فيها حكم ولا دولة، ومع ذلك أبى الله تعالى إلا أن يظهر في مكة الحق ويخذل الباطل ويردها إلى المؤمنين، ويقمع الشرك فيها والمشركين فأمر سبحانه وتعالى نبيه صلى الله عليه وسلم بقتال المعتدين قال تعالى: ﴿وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 191) والله سبحانه وتعالى نبه المسلمين على رد الاعتداء بقوله تعالى: ﴿فَمَنْ اعْتَدَى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدَى عَلَيْكُمْ﴾ (البقرة: من الآية 194).
ومن مبادئ الإسلام محاربة كل منكر يضر العباد والبلاد، وإذا كانت إزالته واجبة في كل حال، فهي في حالة هذا العدوان أوجب وألزم، فإن هؤلاء المعتدين لم يقف اعتداؤهم عند إخراج المسلمين من ديارهم وسلب أموالهم وتشريدهم في البلاد بل تجاوز ذلك إلى أمور تقدسها الأديان السماوية كلها وهي احترام المساجد وأماكن العبادة وقد جاء في ذلك قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَنْ يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَائِفِينَ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾ (البقرة: 114).
أما بعد- فهذا هو حكم الإسلام في قضية فلسطين وفي شأن إسرائيل والمناصرين لها من دول الاستعمار وغيرها، وفيما تريده إسرائيل ومناصروها من مشروعات ترفع من شأنها، وفي واجب المسلمين حيال ذلك تبينه لجنة الفتوى بالأزهر الشريف، وتهيب اللجنة بين عامة المسلمين أن يعتصموا بحبل الله المتين، وأن ينهضوا بما يحقق لهم العزة والكرامة وأن يقدروا عواقب الوهن والاستكانة أمام اعتداء الباغين وتدبير الكائدين، وأن يجمعوا أمرهم على القيام بحق الله تعالى وحق الأجيال المقبلة في ذلك، إعزازًا لدينهم القويم. نسأل الله تعالى أن يثبت قلوبهم على الإيمان به وعلى نصرة دينه وعلى العمل بما يرضيه والله أعلم (4).
----------
حواشٍ:
1- فتح الباري، 5/123/2480. المظالم- من قاتل دون ماله. صحيح مسلم بشرح النووي 2/163/141. الإيمان- الدليل على أن من قصد أخذ مال غيره.
2- أبو داود، سنن أبي داود، مرجع سابق 4/246/4772. السنة- قتال اللصوص.
الترمذي، الجامع الصحيح، مرجع سابق 4/14/1421. الديات- ما جاء فيمن قتل دون ماله فهو شهيد.
3- الترمذي، الجامع الصحيح، مرجع سابق 3/566/1266. البيوع- ما جاء في أن العارية مؤداه.
4- الهيئة العربية العليا لفلسطين، حكم الإسلام في قضية فلسطين ص 15- 27. دار الكتاب العربي- مصر- محمد حلمي المنياوي. سنة 1375 هـ = 1956م.
الأربعاء 26 مارس 2014, 5:45 am من طرف زائر
» شاهد هذه الصور الحمساوية
الثلاثاء 26 مارس 2013, 3:53 pm من طرف توماضر
» كلمة لايكتبها الكمبيوتر مهما كانت أتحداكم أن تكتبوها؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
الثلاثاء 26 مارس 2013, 3:38 pm من طرف توماضر
» علم اسرائيل موجود على جهازك؟؟؟؟؟؟؟؟
الثلاثاء 26 مارس 2013, 6:21 am من طرف توماضر
» نكت مضحكة
الأحد 24 مارس 2013, 4:11 pm من طرف توماضر
» أنشودة حمساوى ميهاب الموت
الأحد 24 مارس 2013, 5:26 am من طرف nour14
» أنشودة وردتنا
الأربعاء 26 يناير 2011, 6:21 pm من طرف أم اسلام
» اقتراح.....
الجمعة 10 ديسمبر 2010, 1:50 am من طرف سلسبيل
» طلب تغيير الاسم
الأربعاء 08 ديسمبر 2010, 6:42 am من طرف القسامى